Monday, February 14, 2011

السياسة الخارجية المصرية في 2010م: كثير من التحديات، قليل من النجاح

في معرض حديثه أمام لجنة "مصر والعالم" في المؤتمر السنوي السابع للحزب الوطني في ديسمبر الماضي، أكد وزير الخارجية أحمد أبو الغيط أن هناك ست تحديات رئيسية تواجه السياسة الخارجية المصرية، وهي المتعلقة بالأزمات السياسية في السودان، والعراق، ولبنان، وفلسطين، إضافة إلى التحديات التي يفرضها الملف النووي الإيراني، وأهمية تطوير العلاقات المصرية مع القوى الرئيسية في عالم اليوم، وتلك التي سيتعاظم دورها في عالم الغد كالصين وروسيا.

وإذا استرشدنا بأجندة "أبو الغيط" لأولويات الدبلوماسية المصرية، وأمعننا النظر في بنودها مطلين على مشهد العام المنصرم، أمكن لنا أن نرصد أداء السياسة الخارجية المصرية في ذلك العام، وأن نتبين ملامح النجاح والفشل فيها.

بداية، وعلى صعيد القضية الفلسطينية، والتي اعتبرها أبو الغيط في حديثه "أم القضايا" بالنسبة لمصر، شهد العام الماضي نكسة جديدة لمسيرة السلام، باستمرار بناء المستوطنات، وعمليات التهويد، وتوقف المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، ومن ثم العودة إلى المربع رقم صفر مرة أخرى. فبعد تصاعد الآمال بشأن إمكانية حدوث انفراجة عقب وصول الرئيس الأمريكي أوباما للبيت الأبيض، تضاءلت جداً أهداف معسكر السلام العربي الذي تقوده مصر، فانزوت أحلام تحقيق السلام واسترداد الأرض و قيام دولة فلسطينية، وصار استمرار التفاوض في حد ذاته هدفاً تسعى إليه الدبلوماسية المصرية، وحتى هذا الهدف البائس لم يتسن تحقيقه في العام الماضي.

ومع الاعتراف بصعوبة المهمة، لأسباب عدة من بينها تعدد الأطراف الإقليمية والدولية الضالعة في الملف الفلسطيني، وتعنت إسرائيل، وميوعة الموقف الأمريكي، فإن الإخفاق المصري عبر السنوات الأخيرة يشير إلى أن ثمة خللاً في الرؤية و عواراً في الأداء، يستوجب إعادة النظر فيما تمت تجربته مراراً وتكراراً من سياسات لم تفض إلى أي نتائج ملموسة. فإذا كان الفشل (أو على أقل تقدير عدم التوفيق) هو مصير السياسة المصرية في "أم القضايا"، والتي تخلت مصر عن كثير من المشاكل الأخرى للتركيز عليها، فما بالك بالملفات الاستراتيجية الأخرى؟

تلقت الدبلوماسية المصرية بالفعل في ربيع العام المنصرم صدمة عنيفة في ملف استراتيجي لا يقل بدوره أهمية عن الملف الفلسطيني، ألا وهو المتعلق بمياه النيل. ففشل مؤتمر شرم الشيخ في أبريل في الوصول إلى اتفاق بين دول المنبع والمصب تبعه قيام دول المنبع بتحرك جماعي، تمثل في التوقيع على الإتفاقية الإطارية في مايو، مهددين بذلك مصالح مصر الاستراتيجية وأمنها المائي. وحملت تصريحات بعض مسئولي دول المنبع في طياتها معاني التحدي لمصر والاستخفاف بقدرتها على فرض رغبتها، كاشفة عن تآكل النفوذ، وزوال الهيبة المصرية في إفريقيا، بعد عقود تعلقت فيها أنظار ساستنا بالشمال وأشاحت بوجوهها عن القارة السمراء.

تراوح رد الفعل المصري بين الاحتواء والتصعيد، إلا أن تصريحات رئيس الوزراء الأثيوبي ميليس زيناوي قرب نهاية العام (والتي زعم فيها أن مصر لا يمكنها أن تكسب حرباً ضد أثيوبيا على مياه نهر النيل، وأن مصر تدعم جماعات إثيوبية متمردة) أظهرت أن جهود مصر لاحتواء تمرد دول المنبع على اتفاقيتي 1929م و1959م المنظمتين لحصص مياه النهر لم تثمر، على الأقل فيما يخص أثيوبيا، وهي مصدر 85% من مياه النيل.

ومما يزيد من موقف مصر تأزماً هو أن حليفها الإقليمي الرئيسي في هذه القضية هو السودان، وهو بلد خائر القوى، مزقته الانقسامات، وانتقل بفضل عقود من السياسات الحمقاء من خانة الوحدة (بمعنى الاتحاد والتماسك) إلى خانة الوحدة (بمعنى العزلة)، وهو بذلك الضعف يبحث جاهداً عمن يساعده في محنته، وليس أبداً في موقف قوة يسمح له بمساعدة أحد.

التحدي الثالث الذي فرضته أحداث العام الفائت أفرزه يقين كل الأطراف الإقليمية والدولية بأن انفصال جنوب السودان سيصير أمراً واقعاً، بل واعترافهم بهذا التطور ومباركتهم له، بما في ذلك حكومة الرئيس البشير.

دعمت مصر رسمياً خيار الوحدة، ولكن ماذا فعلت عملياً لدعم هذا الخيار؟ بعد شهور من توقيع اتفاق نيفاشا الذي نص على إجراء استفتاء لتقرير مصير الجنوب، قتلت قوات الأمن المصرية العشرات من أبناء جنوب السودان أثناء فضها لاعتصام اللاجئين السودانيين بمنطقة المهندسين. وعبر خمس سنوات، لم تفعل مصر شيئاً مؤثراً لدعم وحدة السودان، وحين أفاقت من سباتها مع اقتراب موعد الاستفتاء، ارتضت بخيار الانفصال مع ما يحمله من مخاطر جمة على الأمن المصري المائي والجيوبولوتيكي. انفصال جنوب السودان ألقى الضوء على غياب مفهوم التخطيط عن سياستنا الخارجية، والذي هو في أبسط تعريفاته يعني المساهمة في تغيير المستقبل بشكل يؤدي إلى تقوية الدولة، ودعم مركزها في النظام الدولي.

أما العراق ولبنان فقد أصاب الوزير حين أوردهما في لائحة التحديات الرئيسية للسياسة المصرية، إلا أنه سيكون قد أخفق جداً إن اعتقد أن بمقدور مصر أن تفعل الكثير حيال التطورات السياسية الدائرة بهما. فالصراع السياسي داخل العراق يدور بشكل مباشر أو بالوكالة بين الولايات المتحدة وإيران وتركيا، وبدرجة أقل السعودية وسوريا، وليس لمصر تقريباً أي دور في تحديد مستقبل العراق أو التأثير على التيارات السياسية المتصارعة داخله. والأطراف العربية الفاعلة في لبنان هي سوريا والسعودية، أما مصر فتراقب عن بعد وتدعم الجهد السعودي بدبلوماسية البيانات، ليس أكثر. قل الشيء نفسه عن البرنامج النووي الإيراني، الذي ليس لمصر تأثير يذكر علي تطوراته ومفاوضاته، خاصة في ظل استمرار انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وطهران، والذي أتم عقده الثالث في العام الماضي.

وإضافة إلى عدم القدرة على التأثير على مجريات الأمور في هذه الساحات الثلاث، فإن التطورات التي شهدها العام الماضي تشير إلى تصاعد قوة المعسكر المناوىء لمصر، واحتلال القوى الإقليمية المنافسة لمصر على مساحات جديدة من النفوذ. فالعراق، ومع اقتراب موعد انسحاب القوات الأمريكي، تحول إلى ما يشبه المستعمرة الإيرانية، خصوصاً في مناطق الوسط والجنوب، فيما وطدت تركيا من نفوذها في الشمال. والمعارضة اللبنانية، بقوة السياسة والسلاح، صارت قاب قوسين أو أدنى من قلب الأوضاع لمصلحتها. أما البرنامج النووي الإيراني فماض بثبات وثقة في طريقه، رغم الإغواء بالجزرة الاقتصادية والتهديد بالضربة العسكرية.

إذاً، من مجموع ست قضايا أوردها الوزير أبو الغيط، انسحبت مصر من ثلاثة ملاعب، وفشلت في ملعبين، وكلها ملاعب إقليمية تدور بالقرب من أو على حافة حدود الوطن. وبهذا لم يبق للدبلوماسية المصرية إلا الملعب الدولي، وهو الأسهل والأقل كلفة، تمارس فيه بحماس وشغف هواية جمع الأصدقاء من أباعد الدول، وحضور المؤتمرات عديمة أو قليلة الفائدة، وإلقاء البيانات الإنشائية، بينما الحرائق مندلعة، أو توشك أن تندلع، في فنائنا الخلفي.

د. نايل شامة

* نُشرت هذه المقالة بجريدة الشروق (بتاريخ 24 يناير 2011).



1 comment:

Anonymous said...

د. شامه
تحياتى على المقال التحليلى الرائع الذى شخصت فيه بدقة وبساطة الداء الذى تعانى منه السياسة الخارجية المصرية .. أتطلع بشغف لمقال آخر تصف لنا فيه الدواء وأعتقد انك قدير على ذلك من واقع قراءتى لسطور قليلة من موجز رسالتك .. رجاء لا تضن علينا بهذا المقال خاصة وان الفضاء الان يسمح للبدء فى محاولة الاصلاح رغم كل التحديات المحيطة بالمرحلة الانتقالية. أتساءل أيضاً عن المغزى القدرى لتاريخ نشر المقال بجريدة الشروق والذى كان عشية بدء سقوط النظام السابق. حماك الله يا مصر وأعانك على تعويض ما فاتك فى العقود من الماضية بفعل من حمقا ومفسدين