Thursday, May 31, 2018

Now Available on Amazon and other bookstores


New Book: The World Views of the Obama Era: From Hope to Disillusionment (edited by Matthias Maass).

This book presents selected non-US views of the Barack Obama administration. Each chapter investigates eight years of the Obama presidency from a different national perspective. By bringing together fourteen country studies from all regions of the world, this volume offers an accumulative global view of the Obama White House’s foreign policies and bilateral affairs. It provides an outside perspective on a presidency that was initially greeted with much enthusiasm world-wide, but seemed to fall out of favor over time in most countries. The overwhelming hope that was associated with the election of Obama in 2008 turned to disillusionment world-wide; the changes in US external affairs he promised were only partially fulfilled and the world was reminded that America’s place and role in the world would not change dramatically, not even under the inspirational Obama. The chapter that provides the perspective from Egypt is written by Nael Shama.  

Thursday, May 24, 2018

ماذا أدرك حسني مبارك؟



ربما كان لزاماً علينا، إذ تحل هذا الشهر ذكرى ميلاد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك التسعين، أن نعيد قراءة عصره الممتد خاصة في ضوء المعلومات الواسعة التي صارت متاحة عن كواليس الحكم ودقائق عملية صنع القرار في عهده، لعل الرشد يبين من الغي، والسمين يميز من الغث. والشاهد أنه رغم اعتلائه سدة الحكم في مصر لثلاثين عاماً، فإن مبارك لم يبرهن على كونه سياسياً محنكاً، أو رجل دولة ذي استراتيجيات بارعة ورؤى بعيدة الأمد. كما لم يُظهر معرفة عميقة بمبادئ الاقتصاد أو أساسيات الإدارة. وبسبب غياب الطموح، سقطت البلاد في سنوات مبارك فريسة للجمود وفتور الهمة، ثم تكالبت عليها علل الفساد وسوء الإدارة، ونما في كنفه خطر التوريث وأهدرت حقوق الإنسان.
أرهق الناس القتر وأغشاهم الضيم، فتوهجت لظى الفتن في كل الربوع، وتوالت نذر الخطر، حتى سقط حكمه غير مأسوف عليه في لحظة التحرير الثورية في 2011م. لكن الإنصاف يقتضينا أن نقول أن مبارك - رغم تواضع معارفه وقصور تفكيره – أدرك بلا ريب مجموعة من المبادئ السياسية البسيطة والمهمة في آن، والتي شكلت بوصلة الحكم له عبر سنواته الطويلة على مقعد رئيس الجمهورية.   
أدرك مبارك مثلاً أن للقمع في النظام السياسي المصري سقف لا يجب أن يتعداه، وأن ثمة علاقة شرطية بين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وبين مستويات هذا القمع. فالمرجل بحاجة للتنفيس عما يعتمل في داخله من قلاقل وشكاوى. فإن أطبقت صعوبة المعايش على رقاب المواطنين، صار لزاماً على السلطة تخفيف القبضة الأمنية، وفتح المجال السياسي وحرية التعبير نوعاً ما. لذلك دشن مبارك عهده بالإفراج عن المئات من المعتقلين السياسيين الذين زج بهم السادات إلى السجن قبيل اغتياله في خريف الغضب، ثم سمح بمساحة فسيحة من الحرية في الثمانينات لصحف المعارضة (وللقنوات الفضائية في آخر عقد في حكمه). ولاستكمال الشكل "الديمقراطي"، وجه بتعديل المادة 76 من الدستور في عام 2005م لتحويل استفتاءات الرئاسة إلى انتخابات تنافسية بين مرشحين مختلفين.
في نفس الإطار، أعطى مبارك أهمية كبيرة لعملية الإيحاء للداخل والخارج بوجود حياة ديمقراطية في البلاد. ظل النظام سلطوياً بالطبع، لكن مبارك أدرك أهمية تصوير الأوضاع بحسبانها تمضي في طريق الديمقراطية، وإن تأخر الوقت أو توالت العثرات. كانت كلمة مبارك المفضلة في خطبه وتصريحاته الصحفية هي "الديمقراطية" (وليس "الدولة" أو "الجيش")، يكررها بلا كلل أو ملل. وبرغم أن الحديث ظل فارغاً لا سند حقيقي له على أرض الواقع، إلا أن تكرار الإشارة إلى مفهوم الديمقراطية والانفتاح السياسي أعطى الانطباع، ولو بشكل غير مباشر، أن ذلك هو الهدف والمسعى، وأن الظروف فقط تعطله، أو ترجؤه إلى حين.  
برغم السلطوية، وهيمنة الأجهزة الأمنية، وسيطرة الحزب الحاكم – الذي تحول لملاذ لزرافات من الانتهازين والطائعين - على كل المجالس النيابية لثلاثة عقود، لم تقضي المعارضة نحبها في عهد مبارك، وظلت الأحزاب والنقابات حاضرة في المشهد، وأينعت المظاهرات بين الفينة والأخرى. لم يمانع مبارك في أن تظل هناك مساحة ما من العمل السياسي، حتى لو كان تأثيرها محدوداً على السياسات العامة وفلسفة الحكم. لم يطلب إذعانا كاملاً أو يفرض صمتاً مميتاً.      
أدرك مبارك أيضاً الأهمية المركزية لعلاقة مصر بدول الكتلة الغربية. تعود تلك الأهمية إلى خلل رئيسي يشوب بنية الاقتصاد المصري منذ عشرات السنين، يتمثل في الفجوة الكبيرة بين الإيرادات والمصروفات. لسد هذه الفجوة المتعاظمة لا مندوحة من الاعتماد على دول الغرب، القادرة على منح مصر تدفقات معتبرة من المساعدات والاستثمارات والسياحة، إضافة إلى دعم سياسي يعضد موقف مصر لدى المؤسسات المالية الدولية والجهات المانحة. أدرك مبارك منذ البداية هذه الحقيقة الساطعة، وأدرك أن الحفاظ على العلاقة الوثيقة مع الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية يتطلب قدراً من المواءمة بين الحفاظ على حكمه من ناحية، ومطالب هذه الدول المتزايدة مع بداية الألفية الجديدة من ناحية أخرى، والمنصبة على إجراء انفتاح سياسي واقتصادي، يتضمن احتراماً أكبر لحقوق الإنسان ودوراً أوسع للمرأة.
ولذلك لم يكن ممكناً في عهد مبارك أن يتعرض مثلاً مواطن من الدول الغربية في مصر لتعذيب منهجي لعدة أيام متواصلة يودي بحياته، ثم يلقى جثمانه بعدها بلا اكتراث في جوف الصحراء دون تحرج أو تبصر أو مبالاة بالعواقب السياسية الوخيمة لذلك. أيضاً لم يكن ممكناً في سنوات مبارك أن يتصاعد في وسائل الإعلام الرسمية سعار أحاديث المؤامرة، أو أن تتطاير الاتهامات العشوائية للغرب بالتآمر على مصر بلا ضابط أو رابط، دون أن تبادر السلطات إلى تخفيف حدة هذا الهجوم، إن لم يكن انتصاراً للحقيقة، فحرصاً على علاقات استراتيجية ذات أهمية قصوى للبلاد.   
أيضاً، لم يتنازل مبارك عن سيادة مصر السياسية فوق كامل ترابها الوطني أبداً. ربما هادن في أمر أو أمور، أو تنازل في شأن أو شؤؤن، كما أفل تأثير مصر الخارجي على عدة ملفات إقليمية، واضمحل في أخرى، فيما عربدت إسرائيل وبزغت قوى إقليمية جديدة. تبدد مجد مصر المؤثل إذن وباءت كثير من مساعي مبارك في السياسة الدولية بالإخفاق، لكنه امتلك من الإباء ما دفعه لئلا يحنث بالعهد، فلم يلطخ اسمه بخزي التنازل عن أي قطعة من أرض الوطن، محترماً في ذلك خطاً أحمر لم يملك أي حاكم مصري منذ عام 1952م تجاوزه. داخلياً، امتلك مبارك أيضاً شيئاً من الحكمة أهله لأن يكون ديكتاتوراً بمعنى الكلمة، أي بمعنى القدرة على السيطرة على أركان الدولة ومفاصلها. لم يحدث مثلاً أن تطاحنت أجهزة رسمية تحت سمعه وبصره ثم غض الطرف عنها دون أن يبادر إلى كبح جماحها وتحصين تماسك الدولة بسياج من اليقظة والشدة. لذلك ظل الصراع بين المؤسسات مكتوماً، ولم تتحول الدولة إلى ممالك متفرقة، أو شلل مصالح متناثرة، تصارع بعضها البعض طيشاً وطمعاً، بحثاً عن رأس المال السياسي والنفوذ الاقتصادي والإعلامي.
***
ربما يكمن الفارق الرئيسي بين مبارك وكثير غيره من حكام المنطقة العربية - فضلاً عن الاختلافات الفردية بينهم - في درجة سلطوية أنظمتهم. وهو الفارق الذي تشير إليه أدبيات العلوم السياسية بين نظم "السلطوية الناعمة" و"السلطوية الخشنة"، إذ تتميز النظم الأولى بسماحها بوجود قدر ما من التنافس السياسي (فيما تبسط السلطة الحاكمة هيمنتها عبر مجموعة من الوسائل المباشرة وغير المباشرة)، أما الثانية فتبطش بشراسة، وتبغي بدناءة، وتؤله الحاكم الفرد بفجاجة، وغالباً ما تمهد الطريق بحماقة لأسوأ الكوارث وأمضاها.    

د. نايل شامة
* نُشرت هذه المقالة بموقع الحوار المتمدن (بتاريخ 24 مايو 2018م).