في مذكرات وزير الخارجية الأسبق الدكتور مراد غالب قصة جديرة بالتأمل. أحداث القصة تعود إلى عام 1972م عندما قدمت الحكومة الهندية لمصر عرضاً سخياً – من خلال الدكتور غالب – تطلب فيه منها الاعتراف بدولة بنجلاديش التي كانت قد حصلت على استقلالها تواً، في مقابل أن تفتح الهند للجانب المصري مراكز أبحاثها في مجالات الطبيعة النووية، والأبحاث الإلكترونية، والأبحاث الصاروخية والتوجيه. كانت مصر قد حاولت مراراً دخول هذه المجالات الحيوية عن طريق علاقاتها الوثيقة حينئذ بالاتحاد السوفيتي والصين، إلا أن محاولاتها جميعاً باءت بالفشل.
اغتبط غالب بهذا الاقتراح، وذهب ليبشر به الرئيس السادات، باسطاً أمامه آفاق العرض ومزاياه، إلا أن الأخير استهجن الاقتراح قائلاً: "انت عايزني أحط إيدي في إيد جولدا مائير (يقصد أنديرا غاندي)". واستخدام السادات لذلك التشبيه الغريب لم يكن يعني يعني سوى حنقه وغضبه البالغين على أنديرا غاندي، للدرجة التي دفعته إلى تشبيهها برئيسة وزراء إسرائيل، أي أسوأ شخصيات ذلك العصر السياسية بالنسبة لمصر وسائر الدول العربية.
والسبب في هذا الغضب العارم يعود – كما يشرح غالب – إلى أيام الرئيس عبد الناصر، حين زار السادات الهند بوصفه رئيساً لمجلس الأمة، وطلب مقابلة أنديرا غاندي، إلا أن طلبه قوبل بالاعتذار، نتيجة لوجودها خارج العاصمة نيودلهي. استاء السادات بشدة، واعتبرها إهانة شخصية، وأثر هذا فيما بعد على رؤيته لجدوى وأهمية العلاقات المصرية الهندية.
تفتح هذه الواقعة للنقاش مسألة تأثير شخصية القائد السياسي، بكل ما تحمله من صفات وأهواء وتناقضات، على السياسات العليا للدولة. فالرئيس - أي رئيس لأي دولة في العالم - هو في النهاية إنسان، يحب ويكره، ينحاز مع (أو يتحامل على) أطراف وشخصيات وتوجهات وأفكار. وذلك الانحياز أو التحامل لا ينبع بالضرورة من موقف موضوعي ثابت إزاء أيديولوجيات وسياسات محددة، بل قد ينبع من مواقف شخصية تتأثر بالحالة الصحية والمزاجية، أو من تشوهات نفسية خلفتها خبرات سلبية سابقة.
ولا ينحصر ذلك التأثير في النظم السلطوية فقط. إذ يذهب هيكل في كتاب "ملفات السويس" إلى أن أداء رئيس الوزراء البريطاني أنتوني إيدن المزري في أزمة السويس مرده رغبته في الظهور أمام زوجته كلاريسا بمظهر الزعيم الحازم القادر على قيادة الأمة البريطانية، على غرار ما فعل سلفه في رئاسة الوزراء (وعم زوجته) ونستون تشرشل أثناء الحرب العالمية الثانية. ومعلوم أيضاً أن معاناة الرئيس الفرنسي الأسبق جورج بومبيدو من سرطان الدم جعله في أيامه الأخيرة أكثر تردداً في قراراته. أدرك الجميع أن بومبيدو كان مريضاً جداً، (حتى أنه أسر لأحد أصدقائه قبل عام من وفاته بأنه "حين يصافح الناس، يتولد لديه الانطباع أنهم يقيسون ضغطه")، وظل بالرغم من ذلك في منصبه، يتخذ قرارات مهمة تؤثر في مصير الدولة الفرنسية تحت ضغط المرض والألم.
أما في مصر ما بين الثورتين (أي ثورتي يوليو ويناير)، فكان الوضع أكثر تفاقماً، إذ سمح الإطار السياسي والقانوني للدولة – بل شجع – على قيام نظام سياسي شديد المركزية، تنطلق معظم قراراته المصيرية من رغبات الرئيس وأمنياته. ودعم تلك المركزية ثقافة سياسية متجذرة تجد في القائد إما المأوى، أو حتى المهرب من مسئولية اتخاذ قرارات مصيرية لها تبعات واسعة. ولنا فيما قاله وزير الخارجية محمود فوزي لعبد الناصر إبان ثورة العراق في عام 1958م دليلاً ساطعاً. فقد فاجأت ثورة عبد الكريم قاسم الرئيس جمال عبد الناصر وهو في جزيرة بريوني اليوغوسلافية، وفي طريق العودة إلى مصر على متن الباخرة "الحرية" طلب عبد الناصر من مرافقيه (وزير الخارجية محمود فوزي والكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل) إبداء رأيهما في اقتراح يحتمل وجهتي نظر، فعاد إليه فوزي قائلاً: إن الكفتين متساويتين، وأعتقد أنك وحدك بحكم "إلهام الزعامة" قادر على الترجيح بينهما!!
واقعة السادات مع أنديرا غاندي ليست بالتأكيد الوحيدة التي دفعت فيها المصلحة الوطنية ثمناً باهظاً لأهواء القائد الشخصية. وهي حتماً لن تكون الأخيرة، ما لم يتغير الإطار الدستوري والقانوني للدولة المصرية باتجاه إعلاء شأن ودور المؤسسات، وإجهاض احتمالات سيطرة القائد الفرد علي كل مقاليد الأمور.
والمتابع للحوارات الدائرة هذه الأيام في الفضاء العام يلاحظ أن كثيراً من هذا الحديث يدور حول شئون السياسة الداخلية، مثل محاكمات رموز النظام السابق والوضع الأمني (أو غيابه بالأحرى) وصراعات الديوك بين التيارات السياسية، وقليل منه يتعرض لشئون السياسة الخارجية، وكيفية تقنين أوضاعها، وإصلاح هياكلها في العهد الجديد. وإذا كان هذا طبيعياً لأن "فقه الأولويات" يوجب ترتيب الوضع في الداخل أولاً، فإن مناقشة الدستور الجديد، وقد يكون على الأبواب، تستدعي النظر ملياً إلى المواد المعنية برسم السياسات العامة للدولة، باتجاه مشاركة أكبر لمؤسسات الدولة في عملية صنع القرار السياسي. وضروري أيضاً إعادة النظر في الاختصاصات الأساسية لوزارة الخارجية الواردة في قانون تنظيم وزارة الخارجية، والتي لم يطرأ عليها أي تغيير منذ صدور القانون، رغم تغيير الهيكل الإداري للوزارة أكثر من مرة.
والأهم من ذلك بلا جدال هو التطبيق العملي، الذي يعتمد على وجود إرادة سياسية من قمة الهرم، ورقابة شعبية من قاعدته تنتبه إلى ضرورة إنهاء ارتهان المصالح العليا للبلاد برغبة فرد واحد، والحد إلى أقصى درجة ممكنة من التأثير السلبي للأهواء الشخصية للساسة على عملية صنع القرار السياسي. وبالطبع لن يكون ذلك ممكناً كما أسلفنا إلا في إطار بناء مؤسسات قوية، تعمل في إطار قواعد واضحة، ولها صلاحيات تمنع الرئيس وكبار المسئولين من اختطاف السياسة لصالح مصالحهم وأهوائهم الشخصية.
إذا كانت السلطة مفسدة، والسلطة المطلقة تفتح باباً يفضي للفساد الأعظم، فالأولى أن نسد كل منافذه ونحتاط لكل ذرائعه.
د. نايل شامة
* نُشرت هذه المقالة بجريدة الأهرام (بتاريخ 19 نوفمبر 2011).
Saturday, November 19, 2011
السياسة الخارجية المصرية والعتق من أغلال الشخصنة
Wednesday, August 10, 2011
Egypt and Israel: Can Deep Contradictions be Settled?
Edward Said
On May 30, Daily News (Egypt) printed an article in its commentaries page entitled "In Defense of Reason," in which commentator Amr Yossef aimed at refuting three myths about Israel that "appear to continue dominating Egyptian public opinion," namely, that Israel works to weaken Egypt; that Israel wants to occupy Egypt; and that Israel is all-powerful.
Though prevalent among some Egyptians, the second and third myths are hardly debatable among intellectuals or in academic circles. The reasons need no long explanation. To put it in simple words, Israel does not want to occupy Egypt because neither does it have a legitimate pretext to justify such a reckless step particularly against wide international condemnations, nor does it want to open a new front as it struggles to contain its current foes (Iran, Syria, Hamas and Hezbollah) whose political and military actions have been causing enough nuisances to its leadership. And Israel is certainly not all-powerful, simply because no party is, or ever was, all-powerful in international politics. In Afghanistan, Iraq and elsewhere, the limitations of US power – the world's only superpower in today's world – can hardly be missed. In short, these two far-fetched hypotheses are so weak and dilapidated that their validity is discredited without the need of any external effort.
The first so-called "myth," however, deserves further discussion. First, it is true that Israel is not interested in seeing "an Egypt that is weakened, divided, and torn by sectarian violence" because of the negative implications of such a situation on Israel's security. But does this necessarily mean that Israel is interested in an Egypt that is politically and economically powerful? Absolutely not. Israel's unwillingness to seeing Egypt descend into chaos does not automatically mean interest in seeing it develop, grow and prosper. Israel is interested in Egypt's stability, not prosperity, and this attitude is, needless to say, born out of self-interest calculations, not altruistic motives.
Secondly, even if the bitter heritage of the six-decade Arab-Israeli conflict is sidelined on the pretext that succumbing to "psychological" barriers is an uncivilized stance that reflects an anti-reason mindset, strategic considerations —in particular competition for regional influence— will always obstruct the development of close Egyptian-Israeli relations. Israel may not want to expand militarily, but increasing its influence in the region through political alliances, economic tools, propaganda, etc, has been on its agenda for many years.
This factor polluted Egyptian-Israeli relations even at the zenith of worldwide optimism about the prospects of a comprehensive and lasting Arab-Israeli peace. During the Middle East and North Africa (MENA) conference held in Casablanca in 1994, Shimon Peres spoke about the benefits of Israel’s regional leadership, ironically in a region that had been militarily subjugated by Israel for decades. “Egypt led the Arabs for 40 years and brought them to the abyss, you will see the region’s economic situation improve when Israel takes the reins of leadership in the Middle East," he preached to his Arab counterparts. The inevitability of competition for regional influence is why eminent scholar on Middle Eastern politics Fawaz Gerges predicted then that the interests of Egypt and Israel in the post-peace Middle East “are bound to clash.”
And today, as Egypt frees itself from the rigid chains that have obstructed development and imposed dictatorship and economic failure, hopes of a democratic, developed and modern Egypt have been resurrected.
Is Israel is excited about this development? Absolutely not. A historical precedent can explain. In the mid-1950s, Egyptian President Gamel Abdel-Nasser told the British parliamentarian Richard Crossman, liaison in unofficial talks between Egypt and Israel at the time, that Egypt was not interested in embattling Israel and that its efforts were focused on internal development. In response, Israel's Prime Minister Ben Gurion commented: "This is bad news, very bad news."
History repeats itself. Israel is undoubtedly concerned as it sees the wind of change sweeping old political players and structures and changing the political order on the Nile. In the new Egypt, certainly, foreign policy will be more responsive to public opinion. Under dictators like Mubarak, the wishes of the public were trampled upon using the whips of the security apparatus and the lies of the microphone. The national interest of Egypt was forfeited to serve a corrupt regime determined to advance a father-to-son succession of power, and a handful of parasite businessmen who sucked Egyptians dry to pump more cash into their ill-gotten bank accounts. The gas deal with Israel is a vivid case in point.
This phase, to the dismay of Israel, has come to an end. Egypt's post-revolution Foreign Minister Nabil Al-Arabi explained that Israel considered Mubarak a treasure, adding that Israel "could have gotten whatever it wanted out of him." But with the downfall of Mubarak, he said, "the treasure is gone." Thus, it is most likely that Egypt's foreign policy vis-à-vis Israel will not be as lenient, submissive, and collusive as it was over the last decade. It is only against this truth that one can understand the reactions of Israel's political leaders to recent developments in Egypt; Netanyahu's pleas to Western leaders to rescue Mubarak during the revolution; former Defense Minister Binyamin Ben-Eliezer's tears over the loss of his faithful ally; and the hysteria of Israel's right-wing politicians and media after the triumph of the revolution.
Thirdly, even if the myths entertained by the Egyptian public are excluded from the political calculus, the different agendas of the two countries will put them on a collision course. For example, Egypt's support of Palestinian rights, and its irritation at Israel's reluctance to save the faltering peace process will constitute a stumbling block to the development of close Egyptian-Israeli relations.
In the language of literature, both "text" and "subtext" must be scrutinized by the prudent literary critic. Apparently, there is hardly any problem with the text of Yossef's article. But the subtext, which is the unspoken content that lies beneath the spoken content, needs close attention. Since nations are narrations, then —and I stick here to the lexicon of literary criticism— presenting another narrative of Egypt's story with Israel is imperative.
Nael M. Shama
* This article was published in Daily News (Egypt) on July 3, 2011.
Friday, June 17, 2011
الحداثة الرثة: وزارة الخارجية نموذجاً
مبنى وزارة الخارجية الشاهق المكون من أربع وثلاثين طابقاً، والمطل على كورنيش النيل، وبالقرب من وسط المدينة، صار لأناقته علماً من أعلام العاصمة المصرية، ومظهراً من مظاهر المدنية والحداثة في مصر القرن الحادي والعشرين. والمبنى من الداخل لا يقل بهاء وأناقة عن صورته من الخارج، خاصة لو تمت مقارنته بمباني باقي الوزارات والمؤسسات العامة المصرية، والتي نرزح في الأغلب تحت وطأة القبح والإهمال. وفي داخل المبني لا تخطىء العين رجال ونساء الدبلوماسية المصرية في ملابسهم الرسمية، وهم يمرقون في الردهات بكل همة ونشاط.
انتقال الوزارة إلى مبناها الجديد الحالي تزامن مع خطة تحديث وتطوير الوزارة، والتي اضطلع بمسئوليتها وزير الخارجية الأسبق عمرو موسى في بداية التسعينات، والتي كان من بين تجلياتها التعامل الناجع مع ثورة الاتصالات والمعلومات، وذلك بإنشاء بنك للمعلومات، واعتماد الأرشفة الكمبيوترية، وربط البعثات الدبلوماسية في الخارج بالوزارة عبر شبكة اتصالات مؤمنة.
كل هذه المظاهر الحداثية تبعث على التفاؤل والثقة، إذ تبشر بمؤسسة قوية، ومحترفة، وفاعلة، تؤدى مهمة وطنية على درجة عالية من الأهمية، وهي في أدائها لتلك المهمة تنتمي إلى العصر، وتهتم بالمستقبل بأكثر من انشغالها بالماضي. ولكن هذه الواجهة اللامعة تخفي وراءها بكل أسف واقعاً رثاُ بامتياز.
فالحداثة الرثة بحسب برهان غليون - أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة السوربون – هو نمط الحداثة السائد في الوطن العربي. وسبب التسمية يرجع إلى كونها "حداثة مشوهة"، فالبناء حديث، ولكن الروح بالية، ومنتجات التكنولوجيا الحديثة في كل يد، ولكن طريقة الاستخدام وغاياته عتيقة ومتخلفة. ولذلك فإن الحداثة الرثة – وقد استغنت عن قوة الدفع الروحية للحداثة – أنتجت قيماً مضادة لقيم الحداثة الحقة. فمؤسسة (الدولة) على سبيل المثال لا تخلق الفرد الحر، السعيد، المنتج، المشارك، كما هو المفروض، ولكنها تقهر الفرد، وتسلبه حريته، وتحوله إلى كائن متقوقع على ذاته، غائب عن الوعي، مبرمج على الطاعة، يدور آلياً في فلك احتياجاته الغريزية.
وإذا كانت الحداثة قد أفرزت في العالم المتقدم دولة المؤسسات القوية، المعبرة عن رغبات وآمال شعوبها، والمشاركة بفعالية في عملية صنع القرار الوطني، فإن الوضع مختلف تماماً في مصر، ووزارة الخارجية المصرية خير مثال. فوزير الخارجية نفسه قائد المنظومة الدبلوماسية ليس في النهاية سوى "سكرتيراً" لرئيس الجمهورية، ومنفذاً للتعليمات التي تأتي من أعلى، في ظل انفراد الرئيس برسم استراتيجيات الأمن القومي، واتخاذ قرارات السياسة الخارجية. باختصار، حكم الفرد الواحد المستمر منذ أيام السلاطين والأمراء والملوك لم يتزحزح قيد أنملة، ورغم دخولنا عصر الحداثة شكلاً، فلا زالت المؤسسة الدبلوماسية خاضعة لهذا الحاكم الفرد حتى النخاع.
وكثيراً ما تعرض وزراء الخارجية المتعاقبون للإهانة المباشرة من رؤساء الجمهورية، فمنهم من بلع تلك الإهانات واستمر في منصبه، ومنهم من أبى أن يستمر في أداء دور الكومبارس، في مؤسسة ينص قانون تنظيمها صراحة على أن مهمة وزارة الخارجية هي "تخطيط وتنفيذ السياسة الخارجية للجمهورية". ولكن في ظل سطوة ثقافة الحداثة الرثة، ما قيمة أي قانون في مقابل رغبة السلطان ونزواته؟
ويروي وزير الخارجية الأسبق د. مراد غالب في مذكراته "مع عبد الناصر والسادات: سنوات الانتصار وأيام المحن" أن الرئيس السادات لم يكن فقط يخفي عنه معلومات هامة ودقيقة، تدخل في صلب عمله، بل كان يتعمد تضليله، وإخفاء نواياه الحقيقية عنه. والأمثلة كثيرة أيضاً في مذكرات الوزير الأسبق محمد إبراهيم كامل (السلام الضائع في اتفاقيات كامب ديفيد) على عدم اكتراث الرئيس السادات بنصائح خبراء وزارة الخارجية، وتسفيهه لآرائهم، وإبعاده المتعمد لهم عن مباحثات كامب ديفيد المصيرية. ولعل في تساؤل السادات المتهكم "بقى إنت فاكر نفسك دبلوماسي يا سي محمد؟" التي باغت بها وزيره يوماً، ما يلخص نظرة رئيس الجمهورية في مصر لوزير خارجيته. فكأنما أراد السادات أن يقول لوزيره: أنت لا تفهم شيئاً، وليس مطلوباً منك أن تفعل شيئاً أصلاً، سوى الانصات التام لما أقول، والتنفيذ الفوري له.
ورغم معاناة الوزارة من جور آليات صنع القرار في الدولة المصرية، بسبب مركزيتها الشديدة واستئثار رئيس الجمهورية بالملفات الهامة، فقد استنسخت الوزارة نفس العوار في إدارتها لشئون العمل بداخلها. ويعلم أي متابع لوزارة الخارجية كيف أن الإدارات المفترض أن تكون - نظرياً - هي الأهم والأنشط صارت الأقل أهمية، والأكثر تهميشاً (مثل إدارة إسرائيل). والسبب يرجع إلى استئثار مكتب الوزير بالملفات الاستراتيجية الأساسية لسياسة مصر الخارجية. وهنا تكمن المفارقة: كلما ازدادت أهمية الموضوعات (أو المناطق الجغرافية) المنوط بها إدارة ما، كلما تقلص دور هذه الإدارة، وقل الاهتمام بنشاطها، نتيجة الإقصاء السافر لها من قبل الوزير ومكتبه. وبهذا، وبوجود سلطان في الرئاسة، وآخر في الوزارة، فلا تسل عن كفاءة الدبلوماسية المصرية في التعامل مع تحديات القرن الحادي والعشرين.
ولأن الوزارة هي جزء أصيل من النظام المصري الذي جمع "المجد" من طرفيه: الفساد والاستبداد، وهي صوته الرئيسي في التعامل مع العالم الخارجي، فهي مضطرة دوماً إلى الدفاع، وباستماتة، عن سجل هذا النظام المخزي في مجالات الديمقراطية، واحترام الحريات، وحقوق الإنسان. وبما أن وسائل الاتصال الحديثة قد قربت المسافات، وأبرزت العورات، ولأن للنظام المصري في كل منطقة من رأسه عورة كبيرة يحسس عليها، فقد وجدت الوزارة نفسها منغمسة حتى أذنيها في الكذب، والتضليل، ولي عنق الحقائق. ومراجعة تصريحات الوزير أحمد أبو الغيط والمتحدث الرسمي للوزارة شاهد على ذلك. بمعنى آخر، يستمر قهر الدولة السلطوية كما كان دائماً، ويقتصر دور وزارة الخارجية على تلميع صورتها، وإخفاء عيوبها، والطنطنة لإنجازاتها، هذا إن وجدت.
وفي لغة الخطاب السائد بين الدبلوماسيين ما يؤكد على استشراء العقلية الرثة، اللامنتمية إلى العصر الحديث، الذي بشر بمبادىء العدالة والحرية والمساواة. مثال ذلك الاستخدام المقدس للقبي (بك) و(هانم) في التعامل بين الدبلوماسيين (وعلى سبيل التمييز، لا يحظى الإداريين العاملين بالوزارة بالطبع سوى على لقب "أستاذ") رغم إلغاء الألقاب منذ أكثر من نصف قرن، وذلك انعكاساً لسيادة عقلية رجعية، لا تتناسب مع روح العصر، وما كان ينبغي لها أن تستقر في مؤسسة وطنية، ترعى مصالح المصريين جميعاً، وتعتبرهم متساويين تماماً في الواجبات والحقوق. والأدهى أن يتم مأسسة ذلك التقليد الرث، بالتشديد على صغار الدبلوماسيين على أهمية استخدام تلك الألقاب البالية أثناء دراستهم بمعهد الدراسات الدبلوماسية (مادة: بروتوكولات ومراسم) فور التحاقهم للعمل بالوزارة. وبما أن الدبلوماسيين قد صاروا بكوات وهوانم – بكل ما تحمله تلك الألقاب من مدلولات، وما تسبغه من مكانة خاصة – فلا عجب أن تستشري شكوى المصريين من سوء معاملة السفارات والقنصليات المصرية بالخارج.
أضف إلى ذلك أن التحديث الذي حدث للمظهر لم يواكبه تغيير كبير في جوهر آليات العمل. فلا زالت الواسطة تلعب دوراً كبيراً في انتقاء الدبلوماسيين للعمل بالوزارة، بل وفي اختيار العواصم الأجنبية المميزة التي سيعملون بها. والأقدمية – وليست المهارة أو الكفاءة الوظيفية – شأن مقدس لا يمكن تخطيه، ما يشير بوضوح إلى أن مبادىء ومعايير الإدارة الحديثة غائبة، والواسطة حاضرة، والفساد مستشر.
في كل زيارة لمقر وزارة الخارجية الأنيق، تتضح لي بكل جلاء معاني العبث واللامنطق....والحداثة الرثة.
د. نايل شامة
* مقالة تمت كتابتها في نهاية العام الماضي، ولم تنشر.
Wednesday, April 27, 2011
How Mubarak's Mindset Contributed to his Downfall
Mubarak's poor performance during the crisis that toppled him off Egypt's presidency can be attributed to his hesitation in dealing with a bold and dynamic adversary. In contrast to the old man's dawdling, even lethargic, approach, the young revolutionaries quickly escalated their demands, diversified their tactics, and responded to fast-moving events with creativity and vigor.
Since his early years in office, Mubarak had taken pride in his "calculated" way of doing business. Explaining his preferred decision-making style, he said: "I do not like to take decisions under pressure unless there are strong motivations for doing so. My way is to take my time on any decision I take.” He defended what his critics saw as sluggishness in decision-making by saying: “slowness (in decision-making) so that the decision is well-studied and successful is a million times better than taking dozens of unplanned decisions [and] then annulling them after [being] proved wrong."
If this "slow but sure" method could arguably work in normal times, employing it at times of a sudden and high-paced crisis is undoubtedly disastrous. The many concessions given by Mubarak to the demonstrators in his final days in office had one thing in common: they were too little, too late.
To be sure, indecisiveness wasn’t Mubarak's only fatal malady; he also lost touch with reality. Longevity of dictatorships often contributes to their isolation. In recent years, the aging Mubarak has spent most of his time in the resort town of Sharm El-Sheikh. He became less energetic, less attentive to the 'boring' details of everyday governance, thus more reliant on a small number of trusted aides, who were detached from the public mood and whose efforts were primarily consumed in the pursuit of their own interests.
With time, isolation begets denial. The tales of past tyrants demonstrate that addiction to power is a potent toxic; all cognitive tricks are used to justify clinging to it. The inability to cope with impending dangers drives some leaders to deny the very existence of these dangers. The "I don’t know that I know" attitude wards off anxiety, negates feelings of loss and restores calm. In some cases, denial that originates as a defense mechanism against painful realities ultimately morphs into a way of life. Legend has it that when the last Moorish king, King Boabdil, received a letter that carried the news that his capital city Alhama was about to be lost, he burnt the letter and beheaded the messenger.
Mubarak's last few years in office were marred with rampant corruption, increasing economic and social hardships, dwindling legitimacy and growing civil unrest. To Mubarak's mind, it was easier to believe that the diabolized Muslim Brotherhood group was behind all evils, that anti-regime demonstrators were nothing but a handful of hating (even self-hating) individuals, and that "progress" under his leadership has been undeniably remarkable.
This out-of-touch-with-reality posture was, particularly in the last few years, created and consolidated by his aides, who habitually declined to deliver bad news to the president, and propagandists of the ancien regime who boasted about the 'niceties' of Mubarak's age—"the golden era of democracy" he so generously granted Egypt, the economic development that was "unprecedented since Mohamed Ali's time" and that his presence was indispensable for Egypt's wellbeing.
As the folix a duex (madness shared by two) theory demonstrates, distorted views of the world are easier to be sustained if others around us share the same views. In their bid to legitimize and consolidate his fragile rule, ironically, Mubarak's sycophantic aides, party apparatchiks and state media pundits precipitated the demise of their patron.
In each of the three statements he gave during the revolution, Mubarak seemed to be living in a virtual world of his (and that of his aides) own making. Egyptians were perplexed to see him so detached from real events; the question "doesn’t he see Al-Jazeera," could be frequently heard in Cairo's cafes and chitchat circles. Mubarak "lives in a coma" a reformist judge commented after his third, and final, speech.
Mubarak certainly had ample access to what was going on, but how this input was processed in his mind is what matters. Politicians often make sense of the world by depending on a set of beliefs and images and continue to aim at maintaining consistency among the different facets of that predetermined paradigm. At the height of the Cold War, a cognitive approach to studying former US Secretary of State John Foster Dulles’s negative image of the Soviet Union showed his tendency to resist new information conflicting with his well-entrenched image of the Soviets by engaging in a wide range of psychological processes such as questioning the new information, searching for other contradictory information, reinterpreting the information, engaging in wishful thinking and even avoiding thinking about it.
The self-perpetuation of Mubarak's delusional beliefs of the situation in Egypt was motivated by the ever strong, deeply-entrenched survival instinct. The peculiar way the mind functions in the quest for survival; construing information, erecting illusionary castles out of oblivion and reducing unshakable facts to nothingness attests to the crucial role political psychology can play in understanding the behavior of leaders in one-man rule regimes. As the world is contemplating ways to stop the carnage in Libya, a deeper look into the character of Gaddafi becomes so imperative. If Mubarak's stolid and straightforward character resembles a highway, the mind of flamboyant Gaddafi by contrast is a bewildering maze.
Nael M. Shama
* This article was published in Daily News (Egypt) on March 17, 2011.
Sunday, March 13, 2011
الثورة وقوة مصر الناعمة
إذا كانت الثورة المصرية قد أثمرت حتى الآن العديد من الإنجازات، كإسقاط نظام مستبد وفاسد شاخ في مواقعه، وتمهيد الطريق لقيام نظام جديد تشير الشواهد إلى أنه سيكون مدنياً وديمقراطياً، وأنه سيكون أرفع خلقاً وأكثر عدالة وأقل فساداً، فإن أحد أهم ما أنجزته الثورة هو إعادة بعث قوة مصر الناعمة إقليمياً وعالمياً، ربما بشكل غير مسبوق في تاريخ مصر المعاصر.
فعندما تظهر مقالة بجريدة النيويورك تايمز تحمل عنواناً آسراً مثل "كلنا مصريون"، وحين يصف المفكر الأمريكي البارز "نعوم تشومسكي" ما يحدث في مصر بأنه "مذهل بالتأكيد" مؤكداً أن "هذه اللحظات لن تنمحي من الذاكرة"، وحين تدفع أهمية الثورة المصرية الصحفي الشهير "توماس فريدمان" إلى اعتماد تصنيف ق.م (قبل مصر) وب.م (بعد مصر) للتأكيد على ما تمثله الثورة من نقطة مفصلية في تاريخ الشرق الأوسط، وحين يشير "فريدمان" أيضاً إلى أن مكة ستظل دائماً قبلة المسلمين للتقرب من الله، بينما صار ميدان التحرير قبلة لمن يريد أن "يلمس الحرية"، فإن سمعة ومكانة مصر تكون بالفعل قد لامست من الناحية المعنوية ذراً عالية، تعوض كثيراً مما خسرته أثناء الأزمة من مقومات القوة الصلبة الاقتصادية.
نلمس نفس التأثير الإيجابي وأكثر في الوطن العربي. فحين يخرج قائد في مكانة وشعبية السيد حسن نصر الله ليخاطب الشعب المصري قائلاً: "لطالما قيل بحق إن مصر هي أم الدنيا، وأنتم في الميادين اليوم، أنتم شعبها العظيم الذي يستطيع بإرادته وصلابته وإيمانه أن يغير وجه الدنيا"، وحين تصف الأقلام العربية ميدان التحرير بكعبة الحرية ومصنع الشرفاء والأحرار، وحين يثقون في أن مصر "التي قادت العرب في الحرب ستقودهم حتماً في معركة الديمقراطية"، فإن مصر تكون قد بدأت بالفعل في استرداد عافيتها المعنوية، إيذاناً بقرب استعادتها لموقع القيادة الذي تستحقه، والتي هي بالقطع مؤهلة له.
لقد أغفل كثير من الساسة أهمية القوة الناعمة، فقد دفعت سذاجة الزعيم السوفيتي ستالين لأن يسأل مستنكراً عن "عدد الفرق العسكرية التي تتبع البابا"، متغافلاً عن القوة الروحية للبابا، وقدرته على التأثير في ملايين الكاثوليك. ويمكن مقارنة ذلك بالرئيس مبارك الذي أعلن مراراً عن عزوفه عن الزعامة ونفوره منها. وربما كان يقصد هنا الزعامة العنترية التي بصخب الكلمات وتهافت الأفعال تودي بالبلاد في أتون الحروب ومهالك الفوضى، إلا أنه نسى أن الشعبية من بين المقومات الرئيسية للزعامة. وبسبب ذلك التغافل انخفضت شعبية مبارك حتى وصلت إلى الحضيض في أيامه الأخيرة، فرأينا ملاييناً لا تقبل بغير رحيله حلاً، بل وتستميت في الساحات أياماً وليالي في سبيل خلعه وإسقاط جل نظامه.
إغفال مبارك لأهمية القوة الناعمة في العلاقات الدولية أعماه عن تحقيق أي إنجاز يكون محفزاً لطاقات الشعب المصري وملهماً للآخرين، فعبر ثلاثة عقود لم نر قصة نجاح اقتصادية على غرار التنين الصيني أو النمور الآسيوية، ولا صارت مصر منارة للعلم والتكنولوجيا في محيطها، ولا نموذجاً للانتقال إلى الديمقراطية الحقة، ولا قائدة لدور خارجي مميز. وقفزت دول أخرى في ذات الوقت لتسرق الاهتمام والأضواء، مثل دبي التي صارت واحة للإقتصاد والسياحة في الوطن العربي، وقطر التي حظيت مؤخراً بشرف تنظيم كأس العالم لكرة القدم.
هذا الزخم الثورى الذي أعاد لمصر الكثير من قوتها الناعمة المفقودة يجب استثماره فوراً ودون أي إبطاء، وذلك بالآتي:
أولاً: الحفاظ على قوة الدفع الهائلة التي أنتجتها عجلة الثورة، وخصوصاً بين الشباب، وذلك بانخراطهم في أنشطة مدنية وسياسية، تدعم انتمائهم للوطن وتكرس من الصورة الباهرة التي رسموها للوطن في ميدان التحرير بكفاءة التنظيمً وبسالة التصميم وروعة الالتزام ورقي المعاملة.
ثانياً: بعد أن نجح نموذج "الثورة السلمية" بامتياز في نشر صورة حضارية متميزة لمصر في كل أرجاء الدنيا، يجب الانتقال سريعاً إلى بناء وترسيخ نموذج "الدولة الديمقراطية" التي تثير الإعجاب، بعدلها وكفاءتها ونظامها، فالهدم دون بناء خيانة للثورة ونكوص عن تحقيق أهدافها.
ثالثاً: الاهتمام في قادم الأيام والسنين بالقوة الصلبة، فالقوتين الصلبة والناعمة لا تتحركان في مدارين مختلفين، بل الثابت أن كلاً منهما تؤثر في الأخرى وتتأثر بها. فالانهيار المادي للاتحاد السوفيتي في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات أثر سلباً على قوتها الناعمة دون شك. في المقابل، زادت القوة الناعمة لدول مثل الهند وباكستان مثلاً بعدما زادت قوتها الصلبة بالحصول على القوة النووية في أواخر التسعينات. لذلك فإن اهتمام وتركيز النظام الجديد يجب أن ينصبان في مسار إرساء نهضة اقتصادية حقيقية عمادها غزارة الإنتاج وعدالة التوزيع.
لقد عادت شمس مصر الذهبية تشع للعالم ضياء من حضارة وكرامة وإباء، وبعون رب العالمين لن تنطفىء هذه الشمس أبدا.
د. نايل شامة
* نُشرت هذه المقالة بجريدة الحياة (بتاريخ 10 مارس 2011).
* الصورة: رويترز.
Monday, February 14, 2011
A Vindication of the Right to Revolt
Victor Hugo
In politics, industry, trade, sports and even fashion, a "revolution" is loosely defined as sudden or dramatic change. In the popular consciousness, there are two common ways of looking at the notion of political revolution. First, a revolution could be seen as representative of the popular will, a noble action against the forces of tyranny and oppression, taken to fulfill people's long-suppressed dreams and aspirations. In this sense, revolution is a sacred word, embodying the dignified meanings of freedom, emancipation and progress.
The second school sees revolution as synonymous to violence and terror, to prolonged periods of civil wars characterized by guillotines, lootings and horror. To this school, the word "revolution" evokes the bloody images of the French Revolution's Reign of Terror, which was marred by the suspension of civil liberties, and hasty revolutionary tribunals followed by thousands of public executions.
In the Arab world, the second conception has been fostered by ruling elites (including top officials, members of the ruling party, and the business class, whose interests are inherently linked to, and dependent on, the ruling regime) to protect their thrones and interests. Those who had a vested interest in maintaining the status quo abolished the word "revolution" from the lexicon of political action; instead, they adopted and promoted the motto "evolution, not revolution," (that is gradual, peaceful and planned change).
Not only did Mubarak follow this playbook carefully, he might have even been its chief author. "Reform in doses" was Mubarak's preferred method to implementing the list of demands put forth by the International Monetary Fund and other international financial institutions to effectuate economic reform. To "avoid chaos and instability," political reform was also pursued in doses; such small doses in fact that after thirty years in power, real reform is still kept at arm's length. With "stability" becoming the official slogan of Mubarak's politics, "change," let alone dramatic change, has became a loathed word in official discourse.
To dodge popular revolts, the act of revolution had to be tarnished and disgraced first. In the battle for minds, the ruling Arab establishments highlighted and promoted the writings of those ancient Muslim philosophers, thinkers and theologians who had emphasized the Caliph’s right to claim obedience and the prohibition of rebellion. The fourteenth century philosopher Ibn Khaldun, for instance, claimed that it “is in the nature of states that authority becomes concentrated in one person.” In Islamic jurisprudence, obedience to the ruler was reflected in the famous maxim: “sixty years of tyranny are better than one hour of civil strife.” Al-Ghazali, the eminent eleventh century theologian, instructed that an “unjust ruler should not be deposed if strife would follow.” Al-Ash’ari also forbade Muslims to revolt against the ruler, even if that ruler failed to perform his essential duties.
Needless to say, the voices of other Muslim scholars that explained the compatibility between Islamic law and democratic principles, called for confronting and ousting unjust rulers, and instructed on the compulsory application of Shura (Consultation) in Muslim societies, were ignored.
The period of struggle against colonialism in the Arab world was replete with popular revolutions, against foreign occupation, colonial settlers, and local puppet rulers. There has been a scarcity of revolutions after independence, however. The post-independence Arab states developed formidable authoritarian states, with vast security apparatuses, that are equipped with two things: state-of-the-art machinery and unlimited brutality.
Thus, political revolutions, even if not directed candidly against the regime, were prohibited politically and culturally, and, if they ever erupted, were ruthlessly punished by security agencies. According to Arab regimes, the good citizen is the docile and obedient citizen.
This negative perception of revolutions was thoroughly vindicated by the positive spirit of the Tunisian and Egyptian revolutions. Spontaneous, unplanned by political parties, professional syndicates, or workers' guilds, and free from direct outside interference, they were indeed revolutions by the people for the people.
Ben Ali and Mubarak's classical approach of infantilizing people and making them believe that the "wisdom" of the president is their best safeguard against bad times has long lost any impact it might have ever had.
In Egypt, demonstrators emphasized that they do not want just a snail-paced, "go-nowhere" reform process carried out by the figureheads of the existing regime; they want to change the whole regime. They expect nothing less than a complete overhaul of the existing corrupt political and legal structures that facilitated authoritarianism and precluded meaningful change, and they want that done now.
In other words, Egyptians yearn for dramatic change in a short period of time. They want a revolution.
Vladimir Lenin explained that "a revolution is impossible without a revolutionary situation; furthermore, not every revolutionary situation leads to revolution." Egypt has been undergoing an unprecedented revolutionary situation for the past two weeks. But will it lead to a fully-fledged revolution? That is the question.
Nael M. Shama
* This article was published in Daily News (Egypt) on February 10, 2011.
السياسة الخارجية المصرية في 2010م: كثير من التحديات، قليل من النجاح
في معرض حديثه أمام لجنة "مصر والعالم" في المؤتمر السنوي السابع للحزب الوطني في ديسمبر الماضي، أكد وزير الخارجية أحمد أبو الغيط أن هناك ست تحديات رئيسية تواجه السياسة الخارجية المصرية، وهي المتعلقة بالأزمات السياسية في السودان، والعراق، ولبنان، وفلسطين، إضافة إلى التحديات التي يفرضها الملف النووي الإيراني، وأهمية تطوير العلاقات المصرية مع القوى الرئيسية في عالم اليوم، وتلك التي سيتعاظم دورها في عالم الغد كالصين وروسيا.
وإذا استرشدنا بأجندة "أبو الغيط" لأولويات الدبلوماسية المصرية، وأمعننا النظر في بنودها مطلين على مشهد العام المنصرم، أمكن لنا أن نرصد أداء السياسة الخارجية المصرية في ذلك العام، وأن نتبين ملامح النجاح والفشل فيها.
بداية، وعلى صعيد القضية الفلسطينية، والتي اعتبرها أبو الغيط في حديثه "أم القضايا" بالنسبة لمصر، شهد العام الماضي نكسة جديدة لمسيرة السلام، باستمرار بناء المستوطنات، وعمليات التهويد، وتوقف المفاوضات المباشرة وغير المباشرة، ومن ثم العودة إلى المربع رقم صفر مرة أخرى. فبعد تصاعد الآمال بشأن إمكانية حدوث انفراجة عقب وصول الرئيس الأمريكي أوباما للبيت الأبيض، تضاءلت جداً أهداف معسكر السلام العربي الذي تقوده مصر، فانزوت أحلام تحقيق السلام واسترداد الأرض و قيام دولة فلسطينية، وصار استمرار التفاوض في حد ذاته هدفاً تسعى إليه الدبلوماسية المصرية، وحتى هذا الهدف البائس لم يتسن تحقيقه في العام الماضي.
ومع الاعتراف بصعوبة المهمة، لأسباب عدة من بينها تعدد الأطراف الإقليمية والدولية الضالعة في الملف الفلسطيني، وتعنت إسرائيل، وميوعة الموقف الأمريكي، فإن الإخفاق المصري عبر السنوات الأخيرة يشير إلى أن ثمة خللاً في الرؤية و عواراً في الأداء، يستوجب إعادة النظر فيما تمت تجربته مراراً وتكراراً من سياسات لم تفض إلى أي نتائج ملموسة. فإذا كان الفشل (أو على أقل تقدير عدم التوفيق) هو مصير السياسة المصرية في "أم القضايا"، والتي تخلت مصر عن كثير من المشاكل الأخرى للتركيز عليها، فما بالك بالملفات الاستراتيجية الأخرى؟
تلقت الدبلوماسية المصرية بالفعل في ربيع العام المنصرم صدمة عنيفة في ملف استراتيجي لا يقل بدوره أهمية عن الملف الفلسطيني، ألا وهو المتعلق بمياه النيل. ففشل مؤتمر شرم الشيخ في أبريل في الوصول إلى اتفاق بين دول المنبع والمصب تبعه قيام دول المنبع بتحرك جماعي، تمثل في التوقيع على الإتفاقية الإطارية في مايو، مهددين بذلك مصالح مصر الاستراتيجية وأمنها المائي. وحملت تصريحات بعض مسئولي دول المنبع في طياتها معاني التحدي لمصر والاستخفاف بقدرتها على فرض رغبتها، كاشفة عن تآكل النفوذ، وزوال الهيبة المصرية في إفريقيا، بعد عقود تعلقت فيها أنظار ساستنا بالشمال وأشاحت بوجوهها عن القارة السمراء.
تراوح رد الفعل المصري بين الاحتواء والتصعيد، إلا أن تصريحات رئيس الوزراء الأثيوبي ميليس زيناوي قرب نهاية العام (والتي زعم فيها أن مصر لا يمكنها أن تكسب حرباً ضد أثيوبيا على مياه نهر النيل، وأن مصر تدعم جماعات إثيوبية متمردة) أظهرت أن جهود مصر لاحتواء تمرد دول المنبع على اتفاقيتي 1929م و1959م المنظمتين لحصص مياه النهر لم تثمر، على الأقل فيما يخص أثيوبيا، وهي مصدر 85% من مياه النيل.
ومما يزيد من موقف مصر تأزماً هو أن حليفها الإقليمي الرئيسي في هذه القضية هو السودان، وهو بلد خائر القوى، مزقته الانقسامات، وانتقل بفضل عقود من السياسات الحمقاء من خانة الوحدة (بمعنى الاتحاد والتماسك) إلى خانة الوحدة (بمعنى العزلة)، وهو بذلك الضعف يبحث جاهداً عمن يساعده في محنته، وليس أبداً في موقف قوة يسمح له بمساعدة أحد.
التحدي الثالث الذي فرضته أحداث العام الفائت أفرزه يقين كل الأطراف الإقليمية والدولية بأن انفصال جنوب السودان سيصير أمراً واقعاً، بل واعترافهم بهذا التطور ومباركتهم له، بما في ذلك حكومة الرئيس البشير.
دعمت مصر رسمياً خيار الوحدة، ولكن ماذا فعلت عملياً لدعم هذا الخيار؟ بعد شهور من توقيع اتفاق نيفاشا الذي نص على إجراء استفتاء لتقرير مصير الجنوب، قتلت قوات الأمن المصرية العشرات من أبناء جنوب السودان أثناء فضها لاعتصام اللاجئين السودانيين بمنطقة المهندسين. وعبر خمس سنوات، لم تفعل مصر شيئاً مؤثراً لدعم وحدة السودان، وحين أفاقت من سباتها مع اقتراب موعد الاستفتاء، ارتضت بخيار الانفصال مع ما يحمله من مخاطر جمة على الأمن المصري المائي والجيوبولوتيكي. انفصال جنوب السودان ألقى الضوء على غياب مفهوم التخطيط عن سياستنا الخارجية، والذي هو في أبسط تعريفاته يعني المساهمة في تغيير المستقبل بشكل يؤدي إلى تقوية الدولة، ودعم مركزها في النظام الدولي.
أما العراق ولبنان فقد أصاب الوزير حين أوردهما في لائحة التحديات الرئيسية للسياسة المصرية، إلا أنه سيكون قد أخفق جداً إن اعتقد أن بمقدور مصر أن تفعل الكثير حيال التطورات السياسية الدائرة بهما. فالصراع السياسي داخل العراق يدور بشكل مباشر أو بالوكالة بين الولايات المتحدة وإيران وتركيا، وبدرجة أقل السعودية وسوريا، وليس لمصر تقريباً أي دور في تحديد مستقبل العراق أو التأثير على التيارات السياسية المتصارعة داخله. والأطراف العربية الفاعلة في لبنان هي سوريا والسعودية، أما مصر فتراقب عن بعد وتدعم الجهد السعودي بدبلوماسية البيانات، ليس أكثر. قل الشيء نفسه عن البرنامج النووي الإيراني، الذي ليس لمصر تأثير يذكر علي تطوراته ومفاوضاته، خاصة في ظل استمرار انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وطهران، والذي أتم عقده الثالث في العام الماضي.
وإضافة إلى عدم القدرة على التأثير على مجريات الأمور في هذه الساحات الثلاث، فإن التطورات التي شهدها العام الماضي تشير إلى تصاعد قوة المعسكر المناوىء لمصر، واحتلال القوى الإقليمية المنافسة لمصر على مساحات جديدة من النفوذ. فالعراق، ومع اقتراب موعد انسحاب القوات الأمريكي، تحول إلى ما يشبه المستعمرة الإيرانية، خصوصاً في مناطق الوسط والجنوب، فيما وطدت تركيا من نفوذها في الشمال. والمعارضة اللبنانية، بقوة السياسة والسلاح، صارت قاب قوسين أو أدنى من قلب الأوضاع لمصلحتها. أما البرنامج النووي الإيراني فماض بثبات وثقة في طريقه، رغم الإغواء بالجزرة الاقتصادية والتهديد بالضربة العسكرية.
إذاً، من مجموع ست قضايا أوردها الوزير أبو الغيط، انسحبت مصر من ثلاثة ملاعب، وفشلت في ملعبين، وكلها ملاعب إقليمية تدور بالقرب من أو على حافة حدود الوطن. وبهذا لم يبق للدبلوماسية المصرية إلا الملعب الدولي، وهو الأسهل والأقل كلفة، تمارس فيه بحماس وشغف هواية جمع الأصدقاء من أباعد الدول، وحضور المؤتمرات عديمة أو قليلة الفائدة، وإلقاء البيانات الإنشائية، بينما الحرائق مندلعة، أو توشك أن تندلع، في فنائنا الخلفي.
د. نايل شامة
* نُشرت هذه المقالة بجريدة الشروق (بتاريخ 24 يناير 2011).
Tuesday, January 4, 2011
Mubarak's Regime against the Washington Post
While Turkey, Iran and Israel are vying for regional leadership, Dubai turns confidently into a world-class commercial and tourist hub, and Qatar makes history by becoming the first Arab state to host the football World Cup, Egypt is content with the spectator's seat it has been occupying for years.
History tells us that political regimes could be differentiated by the objectives they seek to accomplish, and by which of these goals are identified as top priorities. In this regard, the Mubarak regime has a long history of committing monumental follies and blunders; the latest merits close attention. Instead of steering the path towards real political reform, or devising creative policies that would promote growth, reduce unemployment and alleviate poverty, the Egyptian regime has indulged itself in meaningless media wars.
Ahead of parliamentary elections, it targeted Egyptian media, closing down independent satellite channels, harassing dissident journalists and bloggers, and intimidating owners of private newspapers. But in the age of information technology, national barriers cannot stop the flow of information and ideas or sustain the monopoly over information. Cairo's rulers therefore turned globally and aimed at international media, flexing their muscles particularly against The Washington Post.
A well-coordinated campaign against The Washington Post in Egyptian governmental newspapers is all too obvious. Hinting at The Post, Osama Saraya - Chief Editor of the state-run daily Al-Ahram - accused on Nov. 12 "international media" of blindly following the lies of Egyptian opposition. When it comes to Egypt's domestic affairs, he added, "we know what is best for us more than others."
In the same month, Abdallah Kamal, Chief Editor of the daily state-run Rosa Al-Youssef and member of the ruling party, dedicated one full article to Jackson Diehl, Deputy Editorial Page Editor of The Post. Diehl's views on Egypt are "ideologically motivated," "extremely naïve" and they "reflect ignorance" of Egyptian affairs; "It is as if he is writing about Iran or Myanmar," Kamal wrote.
The escalating campaign quickly acquired a blatant official stance. On Nov. 24, the Egyptian ambassador to the US, Sameh Shukry, sent an official complaint to Marcus Brauchli, executive editor of The Post, complaining about the "biased" and "irresponsible" editorial policy of The Post. Since March 2008, the ambassador protested, The Post published 24 articles on Egypt (12 editorials, 8 op-eds and 4 letters to the editor). Though attention is normally an asset, to authoritarian regimes, too much attention from international media is clearly detrimental.
To Mubarak's regime, The Washington Post has surely turned into a real nuisance. A recent op-ed in the independent daily Al-Shororuk carried the title "Jackson Diehl: Headache to the Egyptian Government in Washington" No doubt, within the circles of Egyptian diplomats, particularly in Washington D.C., Diehl and The Post are regarded as the enemies of the state.
To be sure, The Washington Post and the rest of international media are only the enemies of the regime, not the majority of Egyptian people who aspire to democratic governance and better living conditions. Over the past few years, these newspapers, along with new internet-based means like Facebook, Twitter and Youtube, have played important roles in exposing the malpractices of Mubarak's regime, and pressuring the international community to adopt a bolder stance in support of political reform in Egypt and the entire Mideast.
Cairo's rulers are surely lowering themselves, and offending the great country and people they are unfortunately representing—or, rather, misrepresenting. By over-reacting to an editorial published in this or that paper, the Egyptian regime shows how precarious and unpopular its rule has become.
Egypt's sham parliamentary elections (conducted on Nov. 28 and Dec. 5) have changed the standing of its ruling party in parliament from hegemony to monopoly. With main opposition rivals undermined, and as Egypt gears up for crucial presidential elections next year, more vicious attacks on international media are expected over the coming year.
Defenders of liberty and democracy, remain on guard.
Nael M. Shama
* This article was published in Daily News (Egypt) on December 30, 2010.